10 كنوز رمضانية
إذا كان النَّاس يصفون من يفرط في كنوز الدُّنيا بالسَّفاهة وقلَّة العقل وفساد الرَّأي فحريٌّ بهم أن يطلقوا ذلك الوصف على من يفرط في كنوز الآخرة، وهي الكنوز الباقيَّة الَّتي تنفع صاحبها يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ.
وشهر رمضان
مليءٌ بتلك الكنوز العظيمة: الَّتي تستحق التَّعب والجهد والتَّشمير، فهو موسمٌ من مواسم الرَّحمة تكثر فيه الخيرات وتعمُّ البركات وتوهب النَّفحات ويتفضَّل الله فيه على عباده بالعفو والمغفرة والعتق من النَّار.
فمن كنوز شهر رمضان
الكنز الأول: المغفرة للصَّائمين:
فيا من أثقلته الذُّنوب والمعاصي! دونك هذا الكنز العظيم فاحرص عليه، وتشبَّث به ولا تدعه يفوتك؛ لأنَّ من فاتته الرَّحمة والمغفرة في شهر رمضان فمتى يدركها في غيره؟! قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ورغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثمَّ انسلخ قبل أن يغفر له» [رواه التِّرمذي وقال الألباني: حسن صحيح].
الكنز الثَّاني: المغفرة للقائمين
وهذا كنزٌ نبويٌّ ثانٍ يجبر النَّقص والخلل الحاصل في الصِّيام، وقد جعل الله الصِّيام عبادة النَّهار والقيام عبادة الليل، ورتب على كلِّ منهما مغفرة الذُّنوب، فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» [متفقٌ عليه].
قال ابن رجب: "واعلم أنَّ المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادات لنفسه، جهاد بالنَّهار على الصِّيام وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وفّى أجره بغير حسابٍ" (اللطائف).
وقال الشَّيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ولا ينبغي للرَّجل أن يتخلَّف عن صلاة التَّراويح لينال أجرها وثوابها ولا ينصرف حتَّى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كلّه" (مجالس رمضان).
الكنز الثَّالث: اقرأ وارتق
وإذا كان صيام رمضان يكون فى النَّهار وقيامه يكون في الليل وفي كلِّ وقتٍ، فرمضان هو شهر القرآن تلاوةً وحفظًا وتدبرًا ومدارسةً وعملًا وغير ذلك وممَّا يدلُّ على خصوصية القرآن في رمضان «وكان جبريل -عليه السَّلام- يلقاه في كلِّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن» [متفقٌ عليه]، هذا بخلاف اشتغال النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بتلاوة القرآن في الصَّلوات وغيرها.
وتلاوة القرآن من أعظم الكنوز الَّتي منَّ الله -تعالى- بها على الأمَّة فقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف وميم حرف» [رواه التِّرمذي 2910 وصحَّحه الألباني] وبحسابٍ بسيطٍ فإنَّ فاتحة الكتاب 133 حرفًا تقريبًا بغير البسملة فيثاب قارؤها ب 1330 حسنةً.
والصَّفحة الواحدة من المصحف تضم حوالي 600 حرفًا، فيثاب قاربها ب 6000 حسنةً والله يضاعف لمن يشاء، فكيف إذا قرأ المسلم جزءًا كاملًا أو اثنين أو ثلاثة في اليوم، لا شكَّ أنَّ ذلك يزيد فى رصيده من الحسنات ويذهب عنه من سيِّئاته؛ لأنَّ الله -تعالى- يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
الكنز الرَّابع: دعوة ٌمستجابةٌ
والدُّعاء هو العبادة: كما أخبرنا الصَّادق المصدوق -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ليس شيء أكرم على الله -تعالى- من الدُّعاء» [رواه التِّرمذي 3370 وحسَّنه الألباني].
وفي رمضان كنزٌ ثمينٌ غفل عنه كثيرٌ من النَّاس وانشغلوا بما هو دونه وهذا الكنز هو أنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ من رمضان دعوةٌ مستجابةٌ فقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- «إنَّ لله -تعالى- عتقاء في كلِّ يومٍ وليلةٍ، لكلِّ عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابةٌ» [وصحَّحه الألباني 2169 في صحيح الجامع].
وللدُّعاء آدابٌ يرجى مع الحرص عليها الإجابة منها:
1- افتتاح الدُّعاء بحمد الله والثَّناء عليه والصَّلاة على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
2- الوضوء واستقبال القبلة: ورفع الأيدي حال الدُّعاء.
3- الاعتراف بالذَّنب والإقرار به والافتقار إلى الله -تعالى-.
4- الإلحاح فى الدُّعاء والعزم في المسألة.
5- خفض الصَّوت والإسرار بالدُّعاء.
6- عدم تكلف السَّجع والدُّعاء بجوامع الكلم.
7- تحري أوقات الإجابة كأدبار الصَّلوات الخمس وعند الآذان وبين الآذنين والإقامة والثُّلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة وحال السُّحور وغير ذلك من الأحوال الشَّريفة.
8- عدم التَّعدي في الدُّعاء.
الكنز الخامس: الصَّدقة والجود
فقد كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أجود بالخير من الرِّيح المرسلة.
وقد ذكر الإمام ابن رجب -رحمه الله- شيئًا من فوائد في شهر رمضان ومن ذلك:
1- شرف الزَّمان ومضاعفة الأجر.
2- ومنها إعانة الصَّائمين والقائمين والذَّاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم.
3- ومنها أنَّ شهر رمضان يجود الله فيه على عباده بالرَّحمة والمغفرة والعتق من النَّار لاسيما في ليلة القدر والله -تعالى- يرحم من عباده الرُّحماء فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.
4- ومنها: أنَّ الجمع بين الصِّيام والصِّدق من موجبات الجنة كما في حديث علي -رضى الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «إنَّ في الجنَّة غرفًا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام: أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ فقال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطَّعام وأدام الصِّيام وصلَّى بالليل والنَّاس نيام» [رواه التِّرمذي 1984 وحسَّنه الألباني].
5- ومنها أنَّ الجمع بين الصِّيام والصَّدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتَّقاء جهنَّم والمباعدة عنها.
6- ومنها أنَّ الصِّيام لابد أن يقع فيه خللٌ ونقصٌ فالصَّدقة تجبر ما فيه من النَّقص والخلل.
الكنز السَّادس: تفطير الصَّائمين
وهذا نوعٌ خاصٌّ من أنواع الكلام والجود في رمضان ورد في فضله قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنَّه لا ينقص من أجر الصَّائم شيئًا» [رواه التِّرمذي 807 وابن ماجه 1428 وصحَّحه الألباني].
وقد جاء فى فضل إطعام الطَّعام قوله -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
والصَّائم عند فطره يكون أشدُّ حبًّا للطعام من غير الصَّائم فإذا قام بتفطير الصَّائمين كان ممَّن أطعم الطَّعام على حبِّه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطَّعام والشَّراب له فإن هذه النِّعمة إنَّما يعرف قدرها عند المنع منها.
الكنز السَّابع: عمرةٌ في رمضان
للعمرة في رمضان ثوابٌ عظيمٌ يساوي ثواب حجّة أو حجّة مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فعن ابن عباس أن النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال لامرأةٍ من الأنصار يقال لها أم سنان: «ما منعك أن تحجي معنا ؟» قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحجَّ أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «فإذا جاء رمضان فاعتمر، فإن عمرة فيه تعدل حجّة» [متفقٌ عليه واللفظ لمسلم 1256]، وفي لفظ لمسلم: «فعمرة في رمضان تقضي حجّة أو حجّة معي» [رواه مسلم 1256].
ومن الكنوز الحاصلة بالعمرة في رمضان أنَّ المعتمر يتهيأ له الصَّلاة فى المسجد الحرام وقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة مرَّة» [صحَّحه الألباني 3841 في صحيح الجامع].
- تنبيه:
يجب أن يعلم أنَّ العمرة في رمضان وإن كان لها مثل ثواب الحجَّة إلَّا أنَّها لا تسقط فريضة الحجّ عمَّن عليه هذه الفريضة فالفضل خاصٌّ بمضاعفة الثَّواب لا بإسقاط الفريضة.
الكنز الثَّامن: الاعتكاف
والاعتكاف كنزٌ عظيمٌ حرص عليه النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في رمضان ففي الصَّحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أن النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عامًا فلمَّا كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلةً» [رواه أبو داود 2463 والتِّرمذي 803 وصحَّحه الألباني].
قال الإمام الزّهري: "عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما تركه منذ قدم المدينة.
والاعتكاف هو انقطاع الإنسان في المسجد؛ ليتفرغ لطاعة الله فبه يستطيع الإنسان الازدياد من الطَّاعات والتَّقرب إلى الله بأنواع القربات والفوز بأعظم الأجور والحسنات.
فعلى المعتكف أن يشغل نفسه بما اعتكف لأجله من قراءة القرآن والذِّكر والصَّلاة والدُّعاء وغير ذلك من الطَّاعات.
الكنز التَّاسع: ليلة القدر
ووالله إنَّها لكنزٌ عظيمٌ من حرم خيرها فهو المحروم ومن وفق لفضلها فهو السَّعيد المرحوم، قال -تعالى-: {إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنـزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم- لمَّا دخل رمضان: «إنَّ هذا الشَّهر قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كلّه ولا يحرم خيرها إلا محرومٌ» [رواه ابن ماجه 1341 وقال الألباني: حسن صحيح].
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فينغي الحرص على هذه العشر والازدياد فيها من الطَّاعات حتَّى يدرك فضيلة ليلة القدر وقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفقٌ عليه].
فاحرص -أخي المسلم- على هذا الكنز العظيم واجتهد في إحياء ليالي العشر بالعبادة من صلاةٍ وذكرٍ ودعاءٍ وقراءة القرآن فإحياء ليلة القدر يكون بذلك كلِّه.
الكنز العاشر: العتق من النَّار
وهذا الكنز هو جائزة الرَّحمن لمن أحسن الصِّيام والقيام وحفظ الجوارح عن الآثام وأحسن معاملة الأنام فقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ لله -تعالى- عتقاء في كلِّ يومٍ وليلةٍ» [وصحَّحه الألباني 2169 في صحيح الجامع].
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ لله عند كلّ فطرٍ عتقاء وذلك في كلِّ ليلةٍ» [رواه ابن ماجه 1340 وقال الألباني: حسن صحيح] وإذا استعمل المسلم الأسباب الَّتي ورد أنَّها تعتق صاحبها من النَّار تأكَّد حصول ذلك الثَّواب له، ومن ذلك:
الذَّبّ عن عرض المسلم: فقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من ذبَّ عن عرض أخيه بالغيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النَّار» [صحَّحه الألباني 6240 في صحيح الجامع].
حسن الخلق: لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من كان سهلًا هينًا لينًا حرَّمه الله على النَّار» [صحَّحه الألباني 6484 في صحيح الجامع].
البكاء من خشية الله؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا يلج النَّار رجلٌ بكى من خشية الله حتَّى يعود اللبن في الضَّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنَّم» [رواه التِّرمذي 1633 والنَّسائي 3108 وصحَّحه الألباني].
اللهمَّ أعتق رقابنا من النَّار واغفر لنا الذُّنوب والأوزار، وتقبل من صيامنا وصلاتنا وسائر طاعاتنا واجعلنا من عبادك السُّعداء وأوليائك النُّجباء إنَّك سميع مجيب الدُّعاء، والحمد لله ربِّ العالمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق